الخميس، ٩ ربيع الآخر ١٤٣١ هـ

"دوار السوق القديم" بالوطية، مدينة طانطان

حال أطفال "السوق القديم" غير حال بقية الأطفال الذين يقطنون بالأحياء المجاورة أو المدن الأخرى؛ فانعدام مجموعة من الخدمات فرض عليهم الارتماء في أحضان مجموعة من العوامل الأخرى، بوصفها بديلا لواقع حالهم المزري. فالتلاميذ هنا- وعلى اختلاف مستوياتهم الدراسية- قد دارت بهم عجلات الزمن إلى الخلف قرونا عدة لم تبلغ فيها الحضارة بعد موضعا من التقدم؛ حيث كان طلاب العلم لا يجدون بديلا للتعلم ليلا سوى الاستعانة بنور الشموع، والتي تبقى الطريقة الأكثر شيوعا لدى المتمدرسين هنا.
"عبد الحق" مثلا، يدرس في الخامسة ابتدائي، وهو لا يجد حرجا في تسليط الضوء على معاناته سعيا وراء طلب العلم قائلا: "من نهار وأنا دخلت للمدرسة وأنا كنحفظ بالشمع حيث ما عندناش الضوء واحتا دار هنا ما فيهاش الضوء وكاع الدراري لكيقراو هنا داكشي اللي كيدرو". يتوقف قليلا ثم يضيف: "بعض المرات راه ما كايكونش عندي القلوس باش نشري الشمع وكيكونو عندي الامتحانات، وكنمشي حدا الباب ديال الفيلا كيكون الضوء برا مشعول فيها ديما حتى كنكمل ونرجع".
"عبد الحق" وغيره من الأطفال الذين لا ذنب لهم في كل ما يجري ويدور من تهميش وإقصاء الملفات عائلاتهم، صاروا اليوم يكابدون أيضا على مستوى طلب العلم، بعد أن وجدوا أنفسهم غير قادرين- مع امتلاكهم للرغبة الصادقة في مواصلة مسارهم العلمي. على تحمل هذا الوضع، وهو ما يفسر تنامي الانقطاعات الدراسية لعدد من الأطفال هنا.
فمن الذي سوف يتحمل كل هذه الظروف المزرية؟ على حد تعبير "فاطمة" ذات العقد السادس، قبل أن تضيف: "لقد استطعنا تحمل هذا الوضع في فترة معينة، لكن أبناءنا اليوم أصبحوا متذمرين، والشباب ناقم على الوضع، مما دفع بالكثير منهم إلى مغادرة ذويه، أملا في الحصول على فرصة أفضل. ونحن نرى بأن الوضع إن استمر على هذا النحو، فلن يبق ولو طفل واحد من أبناء الدوار داخل المدرسة... مستقبل قاتم يتهدد مستقبل العشرات من الأطفال الذين لا يريدون سوى أن تتوفر لهم الظروف المواتية لمتابعة دراستهم وتكوينهم...


عن جريدة الصحراء الأسبوعية
العدد 71/ من 22- 28 مارس 2010

ليست هناك تعليقات: